سورة الروم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ} أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] {أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي اتبعوا أهواءهم جاهلين {فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله} أي أضله الله تعالى: {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} من العذاب.
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ} فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه {حَنِيفاً} حال عن المأمور أو من الدين {فِطْرَةَ الله} أي الزموا فطرة الله والفطرة الخلقة، ألا ترى إلى قوله {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم: 30] فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوباً للعقل مساوقاً للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه ديناً آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام: «كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري» وقوله عليه السلام: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه» وقال الزجاج: معناه أن الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث: «إن الله عز وجل آخرج من صلب آدم كالذر وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم» فقال: {وإذ أخذ ربك} إلى قوله {قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172] وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله تعالى خالقها. فمعنى فطرة الله دين الله {التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} أي خلق {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير. وقال الزجاج: معناه لا تبديل لدين الله ويدل عليه ما بعده وهو قوله {ذلك الدين القيم} أي المستقيم {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} حقيقة ذلك.


{مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} راجعين إليه وهو حال من الضمير في (الزموا)، وقوله {واتقوه} و{أقيموا} و{لا تكونوا} معطوف على هذا المضمر، أو من قوله {فأقم وجهك} لأن الأمر له عليه السلام أمر لأمته فكأنه قال: فأقيموا وجوهكم منيبين إليه، أو التقدير كونوا منبيين دليله قوله {ولا تكونوا} {واتقوه وَأَقِيمُواْ الصلاة} أي أدوها في أوقاتها {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين} ممن يشرك به غيره في العبادة {مِنَ الذين} بدل من {المشركين} بإعادة الجار {فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} جعلوه أدياناً مختلفة لاختلاف أهوائهم {فارقوا} حمزة وعلي وهي قراءة علي رضي الله عنه أي تركوا دين الإسلام {وَكَانُواْ شِيَعاً} فرقاً كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها {كُلُّ حِزْبٍ} منهم {بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقاً.


{وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ} شدة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك {دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً} أي خلاصاً من الشدة {إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ} في العبادة {لِيَكْفُرُواْ} هذه لام كي. وقيل: لام الأمر للوعيد {بِمَآ آتيناهم} من النعم {فَتَمَتَّعُواْ} بكفركم قليلاً أمر وعيد {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وبال تمتعكم {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا} حجة {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} وتكلمه مجاز كما تقول (كتابه ناطق بكذا) وهذا مما نطق به القرآن، ومعناه الشهادة كأنه قال: فهو يشهد بشركهم وبصحته {بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} (ما) مصدرية أي بكونهم بالله يشركون، أو موصولة ويرجع الضمير إليها أي فهو يتكلم بالأمر الذي بسببه يشركون، أو معنى الآية أم أنزلنا عليهم ذا سلطان أي ملكاً معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون {وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} أي نعمة من مطر أوسعة أوصحة {فَرِحُواْ بِهَا} بطروا بسببها {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} أي بلاء من جدب أو ضيق أو مرض {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بسبب شؤم معاصيهم {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} من الرحمة و{إذا} لمفاجأة جواب الشرط نابت عن الفاء لتآخيهما في التعقيب.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لايات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أنكر عليهم بأنهم قد علموا بأنه القابض الباسط فما لهم يقنطون من رحمته، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين عن المعاصي التي عوقبوا بالشدة من أجلها حتى يعيد إليهم رحمته! ولما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك فقال:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7